سياسة تركيا واستفزازتها في البحر المتوسط تشكل مأزقا استراتيجيا للناتو

trends 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ترى باحثاتان أمريكيتان في الدراسات الاستراتيجية، أن سياسة تركيا الإقليمية الجديدة، خاصة في البحر المتوسط وليبيا باتت تشكل مأزقا استراتيجيا لحلف الناتو وتعرقل التعاون الحيوي بين الناتو والاتحاد الأوروبي. كيف؟

شهد مطلع شهر حزيران/ يونيو الماضي مواجهة بحرية غير عادية بين سفن حربية فرنسية وتركية في شرق البحر المتوسط أسفرت عن توتر العلاقات بين البلدين، وتبادل التصريحات الحادة بينهما فيما يتعلق بتصرفات كل منهما في تنفيذ حظر الأسلحة المفروض على ليبيا. ومن المحتمل أن يؤدي تصاعد التوترات إلى تداعيات كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو).

تقول هيثر كونلي، الباحثة ومديرة برنامج أوروبا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي، وراشيل إليهوس، الباحثة ونائبة مديرة برنامج أوروبا بالمركز، إنه بينما قد يبدو ما حدث مجرد لحظة احتكاك بين حلفاء في الناتو، لا سيما مع تركيا، فإنها ليست كذلك في حقيقة الأمر. "فهذا الحادث يمثل مأزقا استراتيجيا أكثر عمقا بالنسبة للحلف، كما يمثل انقساما واضحا بصورة متزايدة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا".

وأضافت كونلي وإليهوس في تقرير لهما نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن هذا المأزق الاستراتيجي راسخ في سياسة تركيا الخارجية والأمنية الإقليمية الجديدة، وهي سياسة ترتكز في جانب منها على أساس عقيدة" الوطن الأزرق" التي تتبناها أنقرة.

وقد أسفر تنفيذ هذه العقيدة عن سلسلة من الحوادث الخطيرة التي يلاحظها حلفاء تركيا ولكن بصورة عابرة، ولا يتخذون موقفا تجاهها إلا نادرا. ومن الواضح أنه نظرا لأن تركيا تواجه قدرا ضئيلا من المقاومة، فإنها تعتقد أن ما تتخذه من إجراءات مقبول إلى حد كبير، حسب الخبيرتين الاستراتيجيتين.

ولكن مجمل سياسات وتصرفات تركيا بلغت الآن نقطة تصعيد خطيرة، من الممكن أن تمثل بدرجة كبيرة تحديا لتماسك وضع الدفاع الجماعي للناتو في البحر المتوسط، وأن تضعف تلاحمه السياسي. كما أن تصرفات تركيا تهدد بعرقلة التعاون الحيوي بين الناتو والاتحاد الأوروبي في المنطقة، وفق ما جاء في التقرير المذكور.

تحديد المصالح المشتركة مع تركيا

 ومن أجل تجنب ذلك، يتعين على الحلفاء، حسب الخبيرتين كونلي و إليهوس، التعامل مع عدم الاستقرار المتزايد في البحر المتوسط من خلال سياسة تكاملية تسعى لوقف تصعيد التوتر، وتحديد المصالح المشتركة مع تركيا، من خلال بعض المبادئ المتفق عليها لتكون دليلا للتصرفات في المنطقة. "وإذا كانت تركيا غير مستعدة للانضمام إلى مثل هذه المبادرة، فإن المستقبل سوف يشهد توترا أكبر عبر الاطلسي".

ويرجع أصل عقيدة "الوطن الأزرق" التركية إلى خطة وضعها الأدميرال التركى جيم غوردنيز في عام 2006، وهى تحدد هدفا طموحا للقيام من خلال الدبلوماسية والوسائل العسكرية القوية، بتحديد وتوسيع نطاق نفوذ تركيا في البحرالأبيض المتوسط، وبحر إيجه، والبحر الأسود، مع تمكين الوصول إلى مصادر الطاقة و الموارد الاقتصادية الأخرى. وتبنى الرئيس رجب طيب أردوغان هذه العقيدة في عام 2015 كجزء لا يتجزأ من استراتيجية وطنية " للدفاع المتقدم" في سياق محاولته المستمرة التي يقوم بها لتأكيد الاستقلال التركي في جميع أوجه السياسة الخارجية لتشمل النفوذ في المناطق المحيطة ببلاده. وقد تم استعراض مظاهر هذه العقيدة بصورة كاملة أثناء "مناورة الوطن الأزرق" في شباط/ فبراير عام 2019، والتي كانت أكبر مناورة قتالية منذ تأسيس البحرية التركية، وتم القيام بها في وقت واحد في بحر إيجه، والبحر الأسود وشرق البحر المتوسط.

ووصفت وسائل الإعلام الحكومية المناورة بأنها "بروفة حرب". وهناك مثال آخر لممارسة هذه العقيدة تظهرها مطالب تركيا المتشددة بالنسبة للطاقة حول المنطقة الاقتصادية الخاصة لقبرص. ففي شهر شباط/ فبراير 2018، أرسلت تركيا سفنا من البحرية لوقف سفينة حفر إيطالية كانت في طريقها للتنقيب عن الغاز قبالة ساحل قبرص. وفي ربيع 2019، أرسلت أنقرة سفنا إلى المياه القبرصية، في حراسة البحرية التركية للقيام بأنشطة تنقيب خاصة بها. وأدانت الدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي بالإجماع تلك "الأعمال غير القانونية"، وأعربت عن دعمها لقبرص، وذلك بتقييد مساعدات ما قبل الانضمام التي يقدمها الاتحاد لتركيا، وتعليق المفاوضات الخاصة باتفاقية للنقل الجوي.

تركيا وقعت اتفاقية مع حكومة الوفاق الليبية تسمح لأنقرة بالدفاع عن المصالح البحرية لليبيا

تركيا وقعت اتفاقية مع حكومة الوفاق الليبية تسمح لأنقرة بالدفاع عن المصالح البحرية لليبيا والتنقيب في المتوسط

وبلغت التوترات الإقليمية مستوى مرتفعا جديدا في تشرين الثاني/ نوفمبر2019 عندما وقعت تركيا اتفاقية مع حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، ترسم حدودا بحرية بين البلدين في البحر المتوسط، وتسمح لتركيا بالدفاع عن المصالح البحرية لليبيا، وكذلك باستخراج موارد الطاقة في البحر المتوسط. وحتى الآن، لم تواجه تركيا سوى مقاومة ضئيلة من الاتحاد الأوروبي، أو الناتو، أو الولايات المتحدة، ردا على تصرفاتها، باستثناء بعض التصريحات الغاضبة والعقوبات المحدودة.

غياب رد فعل شامل وموحد إزاء تصرفات تركيا في المتوسط

فى 13 تموز/ يوليو الجاري عقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اجتماعا، وطلبوا من أنقرة تقديم" إيضاحات" بشأن تصرفاتها في شرق البحر المتوسط، وليبيا وسوريا، وطلبوا من الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بتقديم خيارات لتعزيز العقوبات المفروضة على تركيا بسبب أنشطتها الخاصة بالتنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة الاقتصادية الخاصة لقبرص.

وترى الخبيرتان أن عدم حدوث رد فعل شامل وموحد عبر الاطلسي بالنسبة لتصرفات تركيا البحرية أدى إلى أن تتجرأ وتتخذ المزيد من الاجراءات، لاسيما في وقت يسعى فيه أردوغان إلى إظهار قوة مستقلة في الخارج وزيادة المشاعر القومية في الداخل لصرف أنظار الشعب التركي عن الصعوبات الاقتصادية الكبيرة .

وتعتبر إعادة تحويل "أيا صوفيا" إلى مسجد تم إقامة صلاة الجمعة فيه يوم أمس (24 يوليو/ تموز 2020) بحضور أردوغان مثالا بارزا على هذه السياسة، التي تتزامن مع تدخلات عسكرية تركيا في ليبيا وسوريا. وتقول الباحثتان الأمريكيتان إن تركيا، وهى تقوم بتأمين مصالحها الإقليمية في شرق البحر المتوسط، تضع نفسها في مسار تصادم مع عمليات رسمية للاتحاد الأوروبي والناتو لتطبيق حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، مما يقوض الاستقرار الاقليمي والدولي الأوسع نطاقا.

هـ.د / ع.ج (د ب أ)

  • Gaspipeline im Med. Meer (picture-alliance/Construction Photography/Photoshot)

    أهم خطوط الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط

    1- خط الغاز القطري - التركي

    تمتلك قطر ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم (نحو14 بالمئة من الاحتياطي العالمي) وتعتزم قطر نقل الغاز إلى تركيا عبر خط أنابيب يمر عبر السعودية وسوريا ومنها إلى تركيا التي ستتولى توزيعه إلى أوروبا.

  • Gaspipeline im Med. Meer (picture-alliance/AP Photo/V. Salemi)

    أهم خطوط الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط

    1- خط الغاز القطري - التركي

    وترجع أهمية هذا الخط إلى أن روسيا لن تصبح مصدر الغاز الوحيد لأوروبا. ويربط كثير من الخبراء والمحللين الأزمة الخليجية الأخيرة مع قطر بأطماع في ثرواتها الهائلة من الغاز.

  • Gaspipeline im Med. Meer (picture-alliance/dpa/EPA/STR. )

    أهم خطوط الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط

    2 - خط غاز شرق المتوسط

    تم إنشاؤه في البداية لنقل الغاز الطبيعي المصري من العريش بمصر إلى عسقلان بإسرائيل داخل المياه الإقليمية المصرية ثم الإسرائيلية في البحر المتوسط بطول 100 كم. وكانت إسرائيل تتسلم الغاز المصري بأسعار تفضيلية. تعرض الخط لعشرات العمليات التخريبية ما كلف مصر مبالغ طائلة.

  • Gaspipeline im Med. Meer (picture-alliance/dpa/EPA/K. Elfiqi)

    أهم خطوط الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط

    2- خط غاز شركة شرق المتوسط

    لكن شركات ديليك دريلينج الإسرائيلية ونوبل إنرجي (مقرها تكساس) وغاز الشرق المصرية اعلنت التوصل لاتفاق لشراء حصة من شركة غاز شرق المتوسط نسبتها 39 بالمئة من الأسهم مقابل 518 مليون دولار، وهي صفقة ستمكن إسرائيل من توريد 64 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصرعلى مدى عشر سنوات من حقلي تمار ولوثيان البحريين الإسرائيليين في إطار اتفاق التصدير الموقع سلفاً بين البلدين.

  • Gaspipeline im Med. Meer (picture-alliance/dpa/)

    أهم خطوط الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط

    3- خط الأنابيب الإسرائيلي - الأوروبي

    أعلنت حكومات أوروبية وحكومة إسرائيل دعمها لإنشاء مشروع خط أنابيب بالبحر المتوسط لنقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى أوروبا وحددت موعداً مستهدفا لاستكماله في عام 2025. ويهدف خط الأنابيب الذي يمتد لمسافة 200 كيلومتر إلى ربط حقول الغاز قبالة سواحل إسرائيل وقبرص باليونان وربما إيطاليا بتكلفة تصل إلي ستة مليارات يورو (6.4 مليار دولار).

  • Gaspipeline im Med. Meer (picture-alliance/AP Photo/Saipem)

    أهم خطوط الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط

    4 - خط الغاز المصري - القبرصي

    وقعت قبرص ومصر اتفاقاً يمهد الطريق لإنشاء أول خط أنابيب تحت المياه في البحر الأبيض المتوسط لنقل الغاز الطبيعي من قبرص إلى الأراضي المصرية لاسالته في المحات المصرية تمهيداً لإعادة تصديره الى أوروبا. وفق الاتفاق سيتم نقل الغاز من حقل "أفروديت" القبرصي إلى مصر ما يفتح الباب أمام جذب استثمارات بمليارات الدولارات للبنية التحتية.

  • Gaspipeline im Med. Meer (picture-alliance/dpa/EPA/STR. )

    أهم خطوط الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط

    5 - خط الغاز الأردني - الإسرائيلي

    وقعت شركة الكهرباء الوطنية الأردنية ووزارة الطاقة مع إسرائيل وشركة "نوبل إنيريجي" اتفاقا يقضي باستيراد عمان للغاز الإسرائيلي المستخرج من حقل ليفياثان، وهو الاتفاق المعطل حتى اليوم بسبب الرفض الواسع من النقابات والأحزاب والمبادرات الأردنية سواء لأسباب سياسية أو بيئية. من المقرر أن يبلغ طول خط الأنابيب نحو64 كيلومتراً على أن يبدأ استقبال أولى دفعات الغاز الإسرائيلي بنهاية عام 2019 ولمدة 15 عاماً.

  • Infografik Karte most important Gas Pipelines in the in the eastern of the Mediterranean sea AR

    أهم خطوط الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط

    انفوغرافيك لخطوط الغاز الطبيعي في المنطقة

    يوضح الانفوغرافيك أهم خطوط الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، بعضها يعمل بالفعل والبعض الآخر قيد الإنشاء. ومع تزايد عدد اكتشافات حقول الغاز الطبيعي في المنطقة تعاظمت أهميته وأثره على العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول.


 

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" trends "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
close
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??