: كعك العمة ..من إبداعات الكاتبة الروائية دعاء زيان

almessa 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
كعك العمة ..من إبداعات الكاتبة الروائية دعاء زيان - جريدة المساء
  • أحدث المقالات
  • ترينـد
فلترة

6 مايو، 2024

6 مايو، 2024

6 مايو، 2024

إعـــلان

6 مايو، 2024

6 مايو، 2024

6 مايو، 2024

6 مايو، 2024

6 مايو، 2024

6 مايو، 2024

المزيد

إعـــلان

»»

وبين الفينة والأخري نقطف ثمارا وقطوفا يانعة
من بستان الأديبة القاصة المبدعة دعاء زيان..
وقد أهدت منصة “المساء أون لاين” غيضا من فيض إبداعاتها في ثياب القصة القصيرة ننشرها عبر هذه السطور..

????

كعك العمة

عجبا له ولجرأته الطفولية، فتح النافذة بمفك مكسور، تسلسل للغرفة، دار بعينيه بين صنوف الحلوى الغربية، اختار كعكة صغيرة بنية اللون، مغلفة ببودرة الكاكاو، تعلوها ورود من الفانيلا، وقطع متناهية الصغر من الفاكهة الطازجة علي شكل قلوب،رفعها عاليا بخفة، لف بها في الهواء عدة لفات، وهو يقف علي أطراف أصابعه ،كأنه راقص ماهر بالباليه ، يديه الممتدة كادت تعانق السماء السابعة، أسنانه اللبنية ظهرت كاملة من شدة اتساع ابتسامته، سمع صوت يقترب، أنزلها بلين ، مد طرف إصبعه صوبها ، لعقة واحدة تكفيه لتذوق طعمها اللذيذ ، منعه صوت والدته الذي دوى في أذنيه :
– مت فقيرا شريفا ولا تحيا غنيا لصا.
أعادها لموضعها علي الطاولة، قفز من النافذة ،سقط واقفا علي الجزء المعشوشب من الحديقة، فر هاربا، تغزوه النشوة.
عاد الصغير “حسن” إلى الكرة ،وقف تلك المرة أمام النافذة ، لم يتجرأ علي الدخول كالمرة الفائتة، تأمل الكعكات الشهية التي تفوح منها رائحة الزبد الطبيعي ،العمة تصنع مخبوزات وحلوى رائحتها تخترق الشرفات ،تدور بداخل المباني فتسكر العقول وتذهبها .
شب بقدميه النحيلتين ليسترق نظرة للكعكة التي تعدها في الفرن، ألصق وجهه بزجاج النافذة ،سحب نفسا عميقا غلف به أنفه ،تشعب ليملأ رئتيه وقفصه الصدري، سمع صوت دبيب أقدام ،هرول عائدا لمنزله الذي يبعد عن عيون الناس بحوالي خمسة كيلومترات .
حسن هو أحد أفراد عائلة الريحاني ،جده كان من الأثرياء في زمن غزو الفرنسيين لمصر ،لكنه كان عربيدا، يعشق فتيات البغاء ،يلقي بالجنيهات الذهبية تحت أقدامهن العارية في المراقص، حتي تبددت ثروته ،آل به الحال إلي ذلك البيت العتيق المتهالك الأعمدة، اشتراه بثمن بخس ،تزوج فيه فتاة ريفية تدعي “سميحة” ،زهدها بعد إنجاب صبيان، خرج صبيحة يوم للعمل ولم يعد ثم فقد أثره.
دلف الصبى للمنزل ،مطأطأ الرأس ،وجد أمه ” سعاد” تعد الفول النابت ، الغذاء المعتاد للعائلة أغلب أيام العام، فوالده “رجب” توفي بسكتة قلبية ، وتركها تعول أربعة أطفال، تزوجت من أخيه عبد المتجلي بالاسم فقط ،عاشت مع ضرتها “بهية ” تحت سقف واحد لترعى الصغار الأيتام .
عند أقصي اليمين إبريق الشاي الصاج يغلي علي نار متأججة ،تتصاعد منه الأبخرة ،تملأ المكان الفسيح بالدفء، أمعن النظر في الدخان وفي صحن الفول ، شرد لعالمه الخاص .
أغمض عينيه العسليتين ،تخيل نفسه المغامر علاء الدين ، قد ركب بساطه السحري ، سافر إلي مدينة الكعك التي تعدها العمة، جال بناظريه علي كل الأصناف ، كل كعكة تخرج منها أطياف من الروائح، تتمايل في تموجات ممسكة ببعضها البعض، غاص في طنجرة عملاقة ممتلئة بالشيوكولاته والكراميل حتي رأسه ، قفز منها ،لعق أصابعه بتلذذ ، اختال في مشيته والشوكولاته تسيل من ثيابه.
فجأة فتح عينيه، سحب رغيفين من الخبز الطري ، أمسك البراد بقطعة قماش قديمة، صب نصف كوب من الشاي ،تناول طبق الفول بشراهة ونهم بالغ ،تلاه بشرابه الدافئ علي دفعة واحدة .
انتزعته والدته من خيالاته، وقد خالط حديثها الدهشة:
– ألهذه الدرجة وجدت طعامك شهيا؟ أم أن ذلك تأثير الجوع؟
أومأ برأسه وهو يلحس الطبق بأخر لقمة من رغيف الخبز .
أجاب منتشيا:
– لذيذ للغاية ،رائحته كذلك تذهب العقل ؟!
اليوم هو العاشر بعد فجيعة حسن بترك العمة للبلدة، افتتحت متجرا لبيع الكعك في المدينة، عندما وجد منزلها فارغا ، جري الطريق بأكمله للمنزل صارخا، لم يتناول الفول النابت منذ ذلك اليوم ، عندما يراه يزم شفتيه ،يقَطب جبهته ثم يصرخ وفي عينيه يترقرق الدمع المخبوء :
– ابعديه، لا أطيق رائحته.
الأم تدري دون حديث، ربتت علي كتفيه مرتين، قالت بحنو :
– المر سيمر يا بني .
ذبل حسن البهي ،تغيرت ملامحه البريئة ،هو لم يعرف العمة تمام المعرفة ، ولكنها رأته مرات عدة، وهو يختلس النظر للكعكات قبل أن يلوذ بالفرار.
عاد يجر قدميه بعد انتهاء يومه المعتاد بالخارج، وجد حفنة من رجال الحي البعيد يشغلون ساحة منزله، تتفرسه الوجوه في صمت، انتابه الهلع، حدث نفسه بارتباك :
-هل أصاب أحد أفراد أسرتي مكروه؟
بحث بعينيه بين الحشود حتي رأى والدته ، هدأت روعته ،اقترب بتوجس حتي وصل إليها ، أمسك بطرف جلبابها ، يد دافئة غريبة أمسكت بيده ، تهلل ،اجتاحته البهجة ، إنها العمة من تمسك بيده مبتسمة ،خلفها علي الطاولة الكثير من الهدايا المغلفة.
اقتربت من وجنتيه ،طبعت عليها قبلة حانية، همست في أذنه:
– صديقي الهارب، لا أستطيع نسيانك.
????
يذكر أن للأديبة القاصة دعاء زيان العديد من الأعمال الأدبية من بينها مجموعتها القصصية “ربع انف ونصف أذن “، الصادرة عن دار غراب للنشر والتوزيع والتي تم مناقشتها مؤخرا بنادي أدب دمياط بحضور الأديب الكبير سمير الفيل ،وأظهرت الكاتبة براعتها ومهارتها وقدرتها الفائقة فى سرد سلبيات المجتمع وصور الحياة المتناقضة..
ولها أيضا كتاب،”داخل الهاوية” ، والذي يضم روايتين ،ولها مجموعة روايات أخري تحت الطبع.

لا توجد نتائج

مشاهدة كل النتائج

جميع الحقوق محفوظة © 2021 لـ المساء - يُدار بواسطة إدارة التحول الرقمي.

الموقع يستخدم الكوكيز للحصول على تجربة تصفح مميزة. الاستمرار في استخدام هذا الموقع فإنك تعطي الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط. أوافق

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" almessa "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
close
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??