: نهال علام تكتب: ما بقي الزعتر والزيتون نحن باقون belbalady.net

البلد نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الكلمات تائهة والحروف ضائعة والنفس ضائقة مما ألَمَ ببشر لم يعرفوا من الحياة إلا نفساً للموت ذائقة، قسوة بالغة ووحشية فائقة ذُبحت بها الإنسانية في غزة الباسلة، التي تحولت فيها الحياة لمجرد أمنية بائسة، والتفكير في الغد أصبح مجرد أفكار يائسة.

استدعيت الحروف فوجدتها خجلى وحائرة فسألتها لم أنتِ متوارية وفي كل الظروف كنت البطلة والراوية ولكل الأحداث ظللت الموازية، وأي ما يحدث لم تكوني فيه إلا حاضرة وعلى عتبتك كشفت كل التعديات السافرة، فلك وحدك ميزة أنك سفيرة عزيزة تجوبي القارات مسافرة ولقلوب المتألمين تستطيعي الوصول ولو سدت السبل سائرة.

نظرت لي بعينين داميتين قائلة… أشعر بالعجز والدماء في مفارق غزة سائلة، في مشاهدة جعلتنى غضبى وثائرة. 
احتضنتها متسائلة أنتِ فزعة أم متشائمة! وربت على قلبها مطمئنة واردفت قائلة مرت علينا الكثير من الظروف المشابهة والمجد لشهداء كل العصور ولا مُحال والبُشرى قادمة. 
اجابت على إبائي بكبرياء ورفعت رأسها للسماء وكأنها تهمس للنجوم الحزينة وقالت… على مدار خمسة وسبعين عاما أنا مقاتلة، لم يعرف اليأس قلبي ولم يطرق الخوف عقلي فأنا في وجه الحق قائمة وللحقائق قائدة، فأنا والأرض في صحبة دائمة حتى استرداد العَرض وليوم العَرض أنا الباقية…

فمن رحمي ولدت الحكايات التي أرخت البطولات، وفضحت الاعتداءات ووثقت صدى الآهات، لكن صرخات الأمهات وصيحات ذرات التراب والعويل الذي يصدر من بين الأنقاض وقد أصبح داراً لأشلاء الأطفال… كل ذلك بعثرني والكلمات لم تستطع أن تسعفني وتلملمني.

شددت يدها بوجل وامسكت بعضاً منها على عجل، فتحت قبضتي فتسابقت الجمل على كراستي ترسم بحبور… هنا غزة من القاهرة.

القاهرة التي انتفضت منذ فجر الأزمة وطلبت الفصل بين المدنيين والمسلحين، وألا تزر وازرة وزر أخرى ولا تأخذ الأطفال والنساء والشيوخ والعزل من الرجال بذنب ما فعله حملة السلاح، ولكن العدو غاشم لم يتردد عن دك غزة وصمّ أذنيه مدعوماً بتأييد دولي واسع أغلق عينيه عن كل المواثيق البديهية للحروب التي مهما بلغ مداها يجب أن تراعي الإنسانية، فلم تراعي حُرمة مشفى ولا ملجأ في جامع أو كنيسة ولم تتراجع عن ضرب البيوت والمناطق الأكثر كثافة، قصف ما يزيد عن 5500 مبنى يحتوى قرابة 14200 شقة سكنية، حتى مخبز العيش الأكبر في القطاع تم قصفه بما يضمن أن تفقد غزة الأمل في العيش.

عقلي عاجز عن تفسير هذا المشهد البائس فكيف لدول الحقوق والحريات أن تكون نصلاً في كَبد الحقيقة وتغض طرف عن كل الاعتداءات، بل وتخترع المزيد من الافتراءات لتجد المبرر للمزيد من الحجج لاقتلاع الحيوات.

كيانات عظمى لدرجة الهشاشة النفسية، ارتعدت فرائسها من بعض كلمات سطرتها الكاتبة الفلسطينية  المبدعة عدنية شبلي في روايتها الملحمية "فصل ثانوي" التي ما سطرت فيها إلا حكاية من الاف الحكايات التي حدثت بالفعل ويشهد عليها أهلها ورب السماوات، تم ترشيحها لجائزة ثقافية على هامش معرض فرانكفورت الدولي ولكن إدارة المعرض قررت سحب الجائزة بتهمة جاهزة وهي أن الرواية تدعو لمعاداة السامية، وما ذنب الكاتبة أنها نقلت قصة حقيقية وبعطر الدم مروية وشخوصها حية وبهية.

أظهرت الأزمات نواجز تلك الكيانات، ناهضوا التمييز ولكنهم دعموا المحتل بلا تمييز، ادعوا رفض العنصرية وانحازوا للقاتل بأريحية، اثبتت تلك التحالفات أنها في جسد الحق كالرصاصات تقتل ثم تحتفل بأبهى الرقصات على جثث الشهداء ونسيت أن المرتقون لا يتركوا الأرض دون حفنة من القصاصات تظهر يوماً ولو بعد دهر لتزأر بالحق وكيف لا والدنيا الفانية رحلة، جهة وصولها دار الحق الباقية.

أي وحشية أكثر من منع المعونات الإنسانية لما يزيد عن مليوني مواطن إذا كتبت لهم النجاة من القصف لن يرحمهم عصف الجوع ونقص المستلزمات الطبية ورائحة الموت التي يتنفسها القطاع، انقطاع الكهرباء وتلوث الماء والتهديد بانتشار كل أنواع الوباء، هو مطرقة غباء الضمير الاحتلالي والاعتداء اللا إنساني وتعمد استهداف النساء والأطفال الذي بلغ 70% من حصيلة المرتقون للسماء.

أيام طويلة والشاحنات المصرية وقوافل الإغاثة مصطفة على باب معبر رفح الذي قصفت إسرائيل جانبه الفلسطيني عدة مرات بمنتهى السعادة والفرح، جمهورية مصر العربية كعادتها الطيبة أن تهرع لنجدة المنكوب فما بالك إذا كان المكلوب هي الأرض الفلسطينية، أظهرت مصر صبراً إستراتيجياً غير عادياً في تذليل العقبات التي يتفنن المحتل في ايجادها، فأعادت تمهيد الطريق لعبور الشاحنات من الجانب الفلسطيني بعد القصف الذي تعرض له، وعلى باب المعبر شباب المتطوعون صامدون معتصمون رابضون حتى دخول المساعدات التي تمثل شرايين الحياة لقطاع غزة.

فتحت مطار العريش على مدار الساعة لاستقبال المساعدات من شتى بقاع الدنيا، ولكن الأمر العجيب هي قسوة قلب العالم المفرطة التي لا ينافس غشم العدو سواها، الأردن وتونس وروسيا والإمارات وتركيا ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي واليونيسيف فقط إلى الان من كل دول ومنظمات العالم من قام بإرسال مساعدات إنسانية في وسط عالم يعج باللا إنسانية.

آلاف الشهداء والمصابين غير بلاغات المفقودين، ومئات الجثامين تحت ركام الأنقاض راقدين ولكن يقيناً إنها لهم كجنات النعيم، وإكراماً لتلك الأرواح الطاهرة التي ارتقت لربها محتسبة وصابرة، لن يسمح الضمير المصري بتقديم النصر على طبق من دماء الشهداء لمغتصبي الأرض والعرض، وذلك بتفريغ القضية وانهاء النزاع بتهجير أسر القطاع لتصبح الأرض ومن عليها نسياً منسياً وامتداد للكيان الصهيوني ونهاية سعيدة بعودة أرض الميعاد التي حلم بها لسنوات عديدة، لذا لن تسمح مصر قيادة وشعباً بذلك ولو اضطر الأمر أن نهاجر نحن المصريين من كل حدب وصوب لنفترش رمال سيناء حتى لا تصبح حديثاً على لسان الجهلاء ولا حُلماً يراود البلهاء.

رائحة الخيانة مفضوحة، والزج باسم مصر في الصراع جلي بصورة مقصودة، وهاهو العالم تجمعه مظلة القيادة السياسية المصرية، لعل ابنتهم المدللة إسرائيل تستجيب لدعوة ماما أمريكا والخالة أوروبا وتفتح المعبر لمرور المساعدات وتظهر باقي ضمير ويتوقف هذا التعدي الأليم على الأبرياء من المدنيين، وسيذكر التاريخ أن سيادة الدولة المصرية هي من غيرت خطاب العالم الوحشي من حق إسرائيل المطلق في الدفاع عن النفس إلى حق المدنيين في الأمان ومراعاة المواثيق الدولية، وكما قال ريتشي سوناك في لقائه بالرئيس السيسي أنت تستحق إشادة عظيمة وأنا أصدق الرجل القول وهو يعنيه بعد أن افسد عليهم الرئيس مخططاتهم بالدبلوماسية المصرية التي ركن إليها ووثق في دورها قادة المنطقة العربية جميعاً.

مشاهد خادشة للإنسانية انهارت على اعتابها كل الأخلاق البشرية وكل التعازي الحارة من القلوب المصرية، فالألم ألمنا والحزن رفيقنا في تلك الأيام الصعبة، وإذا غاب العدل عن الدول العظمى فالعدل لا يقنط ولا يغيب عند العادل الأعظم.

"ما بقي الزعتر والزيتون نحن باقون" هكذا يردد الفلسطينيين في الضفة الشرقية فيرد عليهم أخوانهم في الضفة الغربية " أسياد نحن ولسنا عبيد، ونحن يولد كل يوم في بيتنا شهيد"… 
ومن هنا من أم الدنيا تتعالى صيحاتنا " كل أخ عربي أخي… وكل ألم قومي يلازمني كأمي وأبي".

لحظات هي الأقصى اضطراباً وألماً ليست على محيط المسجد الأقصى وحده ولكن على الشرق الأوسط كله، وعلى مصر  والأردن ولبنان بصورة خاصة، لذا نحن المصريون في ظهر قيادتنا السياسية الحكيمة التي نثق في إيمانها المطلق بالسلام ورفضها المعلن للاستسلام، وسيظل الأمن مرهوناً بما يشهده الداخل من استقرار والأمان صمامه أن ننتبه ولا نجعل الأحداث مدخلاً للصيد في الماء العَكر من قبل الأشرار، المرحلة تتطلب الوعي بتلك المحاولات العبثية لارباك مصر داخلياً واحراجها دولياً وإذا لم نرضخ ربما سنرى معاقبتها اقتصادياً، لكن نحن صامدون لنحافظ على الأرض والسلام الذي دُفع ثمنه دماء شهداء الحروب على المحتل والإرهاب، ودموع الأمهات الثكلى والأرامل والأيتام.

وكما قالت فيروز من أجلك يا زهرة المدائن أصلي، قلوبنا معك يا فلسطين وستعودي يوماً كما كنت أجمل من الياسمين، ويوماً قال عنك محمود درويش لماذا تكتب الرواية وأنت الرواية سنخبره كتبنا لأنك أجمل حكاية صمود في وجه عدو وحشي وحقود، مات ضميره من عقود لا تقف مطامعه عند حدود، ولكن قريباً ستدق أجراس الكنائس وستقام الصلوات في المساجد فرحين بما سيؤتينا الله من فضله وما سيتحقق من معجزات عدله.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" البلد نيوز "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
close
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??