: نحو تربية شبابٍ سوي: الاحساس بالمسؤولية !!

almessa 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

إعـــلان

»»

بقلم ✍️ أحمد رفاعي آدم 
( أديب وكاتب)

يحتاج الفرد في بداية فترة الشباب إلى معاملة خاصة تقوم على الوعي والإدراك والتفاهم الجيد. وعندما نبحث عن أحسن الوسائل التي يمكننا من خلالها تربية شبابٍ سوي نجد كثير من النصائح التربوية والتوجيهات الدينية والارشادات الاجتماعية التي يمكن أن تساعدنا في تحقيق هذه الغاية. ونتناول في هذا المقال أول تلك المبادئ وأهم تلك التوجيهات، ألا وهو مبدأ التربية على أساس أن الفرد جزء من مجتمع ينتمي إليه ولديه مسئولية تجاهه.
بدايةً يجب أن يتربى الشاب على أنه جزءٌ من كلِّ وأنه فردٌ في جماعة، لا شخص وحيد يحيا في جزيرة منعزلة. يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: “تقوم شرائع الإسلام وآدابه على اعتبار الفرد جزءاً لا ينقسم من كيان الأمة، وعضواً موصولًا بجسمها لا ينفك عنها، فهو -طوعاً أو كرهاً- يأخد نصيبه مما يتوزع على الجسم كله من غذاء ونمو وشعور”.
وهذه حقيقة لا شك فيها، فنحن نقرأ كل يوم في الصلاة: “إياك نعبد وإياك نستعين”، لا: إياك أعبد وإياك أستعين! وحين نسألُ الله من خيره وهداه لا يختص الواحد منا نفسه بالدعاء، بل يطلب رحمة الله له ولغيره، فيقول: “اهدنا الصراط المستقيم”.
عندما يتربى الشاب على هذه الحقيقة وينشأ معتبراً نفسه فرداً من مجتمع وعضواً فاعلاً فيه، يعي ما له من حقوق ويعترف بما عليه من واجبات، فيصبح أكثر مسئولية وينمو عنده الإحساس بتقدير الذات واحترام الآخرين. بهذا المبدأ تصلح علاقة الشاب بأسرته ويفهم أن عليه واجبات هو مسئول عن تحقيقها ومُطالَب بإنجازها، ويُدرك أن مسئولية الوالدين التربية والتعليم والإطعام وتوفير المسكن الجيد والملبس الحسن والمركب (كل ما يركب للتنقل كالسيارة) المريح، ومسئوليته المذاكرة والاجتهاد والحفاظ على أخلاقه وصحته والقيام بحق الله وحقوق الناس من حوله .. إلخ.
ويَفسدُ الشابُ أول ما يفسد حين لا يعرف أنه مسئول، فيكبر وفي قناعاته أنه حر يصنع ما يشاء وليس لأحدٍ عليه من حق، وأول الضرر يقع على الشاب نفسه حيث ينشأ ضعيف العزيمة عاجز الهمة لا يقوى على الكفاح والاجتهاد والتحصيل، والكارثة أن الغالبية العظمى لا يفطنون لذلك إلا بعد فوات الأوان.

ليس ذلك فحسب، بل كثيراً ما يتمدد ذلك الضرر ليشمل الآباء وباقي أفراد العائلة وقد يتضخم ليصيب المجتمع كله بل وربما الكوكب برمته.
لذلك فُرِض الثواب والعقاب، فمبدأ (هو حر أو هي حرة) منذ نعومة الأظفار مبدأ خاطئ وخطير لإنه ببساطة يتعارض مع القاعدة الشهيرة “من أمِنَ العقوبة أساء الأدب”، وعليه فإن الشاب الذي يترعرع وهو محاط بالتقدير والاحترام والتحفيز والثواب عند الانجاز، والعقاب -كالحرمان وليس العقاب البدني العنيف على الاطلاق- عند الخطأ أو التقصير، ينمو بشخصية منضبطة ومبادئ أخلاقية سليمة ويصبح فرداً سوياً يعرف قدر نفسه ويؤمن بدوره في البيئة المحيطة به صَغُرَتْ أو كَبُرَتْ، وينشأ على حقيقة أنه مسئول وأنه مُحاسَب فيتيقظ لديه الشعور بالمسئولية ومراعاة سلوكياته والاهتمام بصورته في نظر الآخرين.
من هذا المنطلق يجدر بنا التذكير بأن مصطلح المراهقة غير دقيق، ومن العدل أن نسمي الأشياء بمسمياتها، فالطفولة بمرحلتيها المبكرة والمتأخرة تتبعها مرحلة الشباب، ومن غير الصحيح أن ننظر إلى أبنائنا على أنهم مراهقون ليسو محل ثقة لتحمل المسؤولية، وإنه لخطأ فادح في مجتمعاتنا العربية أنك ترى الشاب يوشك يتجاوز الثلاثين من عمره وهو لا يزال عالة على والديه، لا يحسن عملاً ولا يحمل مسؤولية ولا يقدر على أن ينشئ أسرة لأنه تربى منذ الصغر على التوبيخ وحُرِمَ الفرصة تلو الفرصة في القيام بدور فعال بحجة أنه مراهق وغير ناضج وأنه لا يزال صغيراً على تحمل المسؤولية، حتى يفقد الولد أو البنت الثقة بنفسه ويكبر جسديا لكن بنفسٍ مهزوزة وعقلٍ مغلق وعزيمة مترددة. ثم بعد كل هذا يتساءل الآباء والأمهات والمربون عن فشل الأجيال وانحراف سلوكياتهم وتأخر نجاحهم وكثرة التصادم معهم.

خذ الغرب مثالاً يُحتذى في هذا الأمر وانظر إلى قادة الدول عندهم والوزراء وكبار السياسيين والعلماء وحتى الرياضيين وستصدمك الاحصائيات.. رئيس فرنسا من مواليد ١٩٧٧ وحين تولى منصبه كان في التاسعة والثلاثين، رئيس وزراء كندا من مواليد ١٩٧١، وزيرة الخارجية الألمانية من مواليد ١٩٨٠، متوسط أعمار لاعبي غالبية فرق القدم الأوروبية ٢٥ سنة، وهكذا! أمما عندنا فحدِّث ولا حرج، أعمار كبيرة وأجساد مترهلة وعقول كسلانة، ويكأن الفهم وحسن تصريف الأمور والقدرة على اتخاذ القرارات لا تكون إلا عند الكبار، وأما الشباب فهم عاجزون مقصرون مهزوزون عديمو النفع والفائدة، وتلك لعمري خطيئة كبيرة!.

وما كنا كذلك في الماضي البعيد أو القريب، فالصحابي أسامة بن زيد قاد جيشاً فيه كبار الصحابة ولم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، ومحمد الفاتح فتح القسطنطينية التي استعصت على كبار الجيوش وهو في العشرين من عمره أو قبل ذلك بقليل، والزعيم المصري مصطفى كامل صاحب العبارة الخالدة “لو لم أكن مصرياً لوددتُ أن أكون مصرياً” فعل ما فعل وقاد الحركة الوطنية ضد الإنجليز ولم يطلْ به العمر فمات في الثالثة والثلاثين من عمره، إلى غير ذلك من الأمثلة التي تؤكد أننا كنا قديمًا نقدر الشباب ونمنحهم قدرهم وننزلهم المنازل التي يستحقونها، لا كما يحدث اليوم .. تهميش وتدليع وميوعة وخذلان وعدم ثقة .. ثم نحزن حين تأتي النتيجة خائبة ومخيبة للآمال وننسى أننا سبباً فيها.
أيها الناس، أحسنوا تربية أبنائكم وشدوا سواعدهم وأيقظوا عقولهم ونبِّهوا ضمائرهم وربوهم على الإحساس بالمسئولية وحسن القيام بالواجب المنوط بهم، لكي يكبروا واثقين من أنفسهم لا تهزهم النوازل ولا تنال منهم الاحباطات وليعلموا أن بناء الأمم يتحقق بسواعد أبنائها الأقوياء المكافحين.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" almessa "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
close
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??