: الإجهاض الآمن.. لمن حق السيطرة على جسد المرأة؟

masr360 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الإجهاض إشكالية تاريخية شائكة، تثير الجدل في العالم شرقا وغربا، ومع كل القوانين التي اخترعتها البشرية لمحاولة التحكم بهذه القضية. لم تتغير أو تنخفض أعداد النساء الذين اضطروا لخوض التجربة، في حين تزيد أعداد الوفيات بينهن نتيجة غياب الوسائل الآمنة بما فيها الرعاية اللاحقة.

في الولايات المتحدة على سبيل المثال يُعد الإجهاض من أكثر القضايا إثارة للانقسام، حيث يستشهد المعارضون بالمعتقدات الدينية لإعلان أنه غير أخلاقي. بينما يقول المدافعون عنه إنه يجب أن يكون للمرأة الحق في الاختيار في الأمور التي تؤثر على جسدها.

وفي الطريق إلى ذلك يتم الاستعانة بمبدأ العرقلة وليس الحظر التام كما هو الحال في مصر مثلا، وفي هذا الشأن أصدر معهد غوتماشر. وهو منظمة أبحاث وسياسات للصحة الجنسية والإنجابية، قال عن بلد الحرية على إنها “ساحة معركة رئيسية للإجهاض في عام 2021”. ويبدو أن هذا هو الحال حتى الآن، إثر سن 28 قيدا على الإجهاض في أسبوع واحد، وفقًا لتقرير المنظمة الصادر في أبريل الماضي.

إعلان

كما أعلن المعهد أن عام 2021 أصبح “أسوأ عام تشريعي على الإطلاق بالنسبة لحقوق الإجهاض في الولايات المتحدة”. متجاوزًا عام 2011، الذي سجل الرقم القياسي السابق لعدد سياسات الإجهاض المقيدة التي تم سنها خلال عام واحد.

قوانين رجعية

ومطلع الشهر الجاري وفي ولاية تكساس المعروفة بمحافظتها الشديدة وقوانينها الرجعية نسبيا. دخلت إحدى قوانين الإجهاض الأكثر تقييدا في البلاد حيز التنفيذ، والتي تحظر الإجهاض في وقت يتجاوز ستة أسابيع من الحمل

ويحظر القانون عمليات الإجهاض متى كان باستطاعة الموجات فوق الصوتية اكتشاف ما يعرفه المشرعون بأنه “نبض قلب” الجنين. على الرغم من أن الخبراء الطبيين والقانونيين يقولون إن هذا المصطلح مضلل لأن الأجنة لا تمتلك قلبًا في تلك المرحلة من النمو.

ويقول مقدمو خدمات الإجهاض وجماعات الدفاع عن حقوق الإجهاض إن هذا سيؤثر على 85٪ على الأقل من عمليات الإجهاض التي تحدث في الولاية. إذ إن كثير من النساء لا يعرفون أنهم حوامل في الأسابيع الستة الأولى.

الإجهاض إشكالية تاريخية شائكة
الإجهاض إشكالية تاريخية شائكة

وتعد تكساس من الولايات الحمراء، أي التي تميل لانتخاب الجمهوريين المحافظين، حيث يتمتع أغلب سكانها بطبيعة محافظة أقرب إلى الرجعية. كما أنها ولاية جنوبية اعتمد أغلب سكانها على المحاصيل الزراعية، وما يتبع ذلك من سمات أبوية ذكورية، مما دعا بعض النشطاء لتلقيب نظامها بطالبان أمريكا.

ووفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، يشهد العالم سنويًا 22 مليون عمليّة إجهاض غير آمنة، أغلبها في الدول الناميّة، وفي معظمها. تضطر النساء إلى دخول المستشفى للعلاج من تبعاتها، كما أن هنالك 47000 امرأة سنويًا تلقى مصرعها جراء عمليات الإجهاض غير الآمنة. مما يجعل حالات وفاة النساء نتاج الإجهاض غير الآمن يصل إلى 13% من نسبة وفاة الأمهات.

الإجهاض.. بين القانون والدين

في مصر، تعد مسألة الإجهاض من الموضوعات المسكوت عليها، فلا أرقام تشي بحجمها ولا بنتائجها التي تصل إلى الوفيات. وتجرمها القوانين بشكل قاطع، ولم يفلح أي حراك في هذا الشأن، في تحريك المياه الراكدة. إذ عدت من المحرمات بشكل قاطع وهو الرأي الذي يخالف الكثير من العلماء.

بالرجوع إلى دار الإفتاء وجدنا أن هناك فتوى حول سؤال “هل يجوز الإجهاض وسيلة من وسائل تنظيم النسل؟”. والذي أجاب عليه شيخ الأزهر الراحل الشيخ جاد الحق علي جاد الحق بأن الفقهاء بالمذهب الحنفي أجازوا إسقاط الحمل ما لم يتخلق منه شيء. وهو لا يتخلق إلا بعد مائةٍ وعشرين يومًا، وهذا الإسقاط مكروه بغير عذر. وذكروا أن مِن الأعذار انقطاعَ لبن المرأة المرضع بعد ظهور الحمل مع عجز أب الصغير عن استئجاره مرضعةً ويخاف هلاكه.

إعلان

وتابع: “يرى بعض الشافعية مثل ذلك، وفريقٌ من المالكية ومذهب الظاهرية يرون التحريم، ومِن المالكية مَن يراه مكروهًا. والزيدية يرون إباحة الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين مطلقًا؛ أي سواء أكان الإسقاط لعذرٍ أو لغير عذر”.

وأضاف في رده على السؤال “لا خلاف بين الفقهاء جميعًا في أن إسقاط الجنين بعد استقراره حملًا أربعةَ أشهرٍ محرمٌ وغيرُ جائزٍ إلا لضرورةٍ. كما إذا تعسرت الولادة ورأى الطبيب المتخصص أن بقاء الحمل ضارٌّ بالأم فإنه في هذه الحال يباح الإجهاض. إعمالًا لقاعدة دفع الضرر الأشد بالضرر الأخف، ولا نزاع في أنه إذا دار الأمر بين موت الجنين وموت الأم كان الإبقاء على الأم؛ لأنها الأصل”.

وأكد أنه “على هذا فإن الإجهاض بمعنى إسقاط الحمل بعد بلوغ سن أربعة أشهرٍ رحميةٍ حرامٌ وغيرُ جائزٍ شرعًا إلا للضرورة. كالمثال السابق، وكما إذا تعسرت الولادة أيضًا وكانت المحافظة على حياة الأم داعيةً لتقطيع الجنين قبل خروجه فإن ذلك جائز”.

حجج دينية

وفي هذا الشأن، تؤكد الدكتورة آمال عبدالهادي عضو منظمة المرأة الجديدة أن التذرع بالحجج الدينية لحظر الإجهاض الآمن مردود عليها. إذ إن أغلب جمهور العلماء لا يحرمها قطعا ولكن يضع لها شروط مثلا، ويتعامل معها كمسألة مكروهة فقط.

عبدالهادي ذهبت إلى أن القراءات الدينية الحالية للنصوص تخالف الوضع من قبل، نظرا لصعود التيار الرجعي، وقيادته للمجتمع. في حين أن الأمر لم يكن كذلك من قبل، ضاربة مثال على ذلك بخمسينات القرن الماضي حين كان الإجهاض مباح، بل كانت المرأة تحظى بالرعاية الصحية اللاحقة من قبل المتخصصين وفي المنزل.

وفي النهاية تساءلت عبدالهادي عن أسباب مواءمة الدين لمسألة تنظيم المرأة والتماهي معها، بعد أن حرمها الدين لوقت. وعدم اظهار أي مرونة في مسألة الإجهاض.

إعلان

هل الإجهاض الآمن حق للمرأة؟
هل الإجهاض الآمن حق للمرأة؟

الإجهاض حق أساسي

يرى الحقوقي مجدي عبدالفتاح مدير المركز العربي للدراسات والبحوث أن الإجهاض الآمن حق أساسي للمرأة، أهدرته الأعراف والتقاليد، التي تقوم بالأساس على التعامل مع جسد المرأة كوعاء لحمل الأطفال. نازعين منها حق إقرار مصيرها، غير ملتفتين إلى ظروفها النفسية أو الجسدية، فمادام الحمل لن يؤدي إلا الوفاة. فلا داعي للقلق بشأن أعضاء المرأة الحيوية كالكبد، والكلى مثلا، أو حتى صحتها النفسية.

من جانبها، أرجعت دكتورة آمال عبدالهادي محاولات السيطرة على جسد المرأة، والتحكم فيه إلى التراتبية الطبقية التي تتعامل بها المجتمعات. أو الأبوية الذكورية التي تتجاوزها مجتمعات مثل مصر، وهو المنطق نفسه الذي خلق من أجله وهم الأمومة وغريزتها بحسب الحقوقي عبدالفتاح.

فالأصل في الأمر بحسب عبدالفتاح أن بعض السيدات يستطعن الانجاب، والبعض الآخر لا يستطعن تحمل مسؤولية الأطفال، سواء على المستوى المادي، أو النفسي. ولكن تدفع أدبياتنا نحو فكرة أن الطفل مسؤولية الأم أول عن آخر، ومع ذلك لا تترك قرار الاحتفاظ به من عدمه للمرأة المسؤولة عنه.

“حتى المغتصبات لا يسمح لهن بالإجهاض وإن كن من ذوي الإعاقة” هكذا بادرت النسوية والباحثة الهام عيداروس بالقول. معتبرة المسألة غير منطقية، ويشوبها تعنت غير مبرر، قانونيا أكثر منها دينيا كما يدعي البعض. وقد أجازه شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي، ويبدو أن الأمر في حقيقته اتفاق مجتمعي على سلب حق المرأة في السيطرة على جسدها.

مخاطر الإجهاض

التعنت في مسألة الإجهاض لا حدود له فالتضحية بحياة المرأة أمر شائع إلى الدرجة التي تضطر فيه السيدات إلى محاولة البدء بنزيف حتى يجدن المساعدة الطبية. والخطورة هنا مسألة نسبية تعتمد على تقدير مقدم الخدمة الصحية.

وفي الطريق إلى ذلك هناك الكثير من الوصفات الشعبية التي أودت بحياة الكثيرات منهن، مثل أعواد الملوخية، أو إبر التريكو على سبيل المثال. والتي تحذر دكتورة آمال من خطورتها حيث يمكنها ببساطة ثقب الرحم، والتسبب في الوفاة، أو العقم، ولسان حال هؤلاء السيدات “الجوع كافر” فقدرتهن على تحمل طفل جديد شبه معدومة. والدولة نفضت يديها عنهن حتى المتزوجات منهن.

تقول إلهام عيداروس “بحسب المشاهدات أغلب اللائي يقمن بهذه الخطوة متزوجات بالأساس، ولكنهن لا يستطعن إعالة طفل جديد، أو قد يكون هناك حالة تهديد من الزوج بالطلاق من قبل الزوج. فتضطر الزوجة للامتثال لأوامره”، موضحة أن حظر الاجهاض يمثل خطورة اقتصادية حيث يساهم في إفقار الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، ويملكون الكثير من الأطفال نتيجة غياب الوعي، والرعاية الصحية.

سعر عملية الإجهاض في العادة يتجاوز أسعار الولادة نفسها
سعر عملية الإجهاض في العادة يتجاوز أسعار الولادة نفسها

وعن المتزوجات اللاتي لا تختلف حالاتهن عن غيرهن يحكي الحقوقي مجدي عبدالفتاح إحدى الوقائع التي ترجع إلى أحد الأصدقاء فيقول “ذهبت شقيقة صديق إلى المستشفى في حالة خطر وكان لابد من اجهاضها، فرفضت أغلب المستشفيات مساعدتها. أما المستشفى الوحيد التي استقبلتها، فقد تركوها وحيدة بعد إعطاءها الحقن المحفزة للإجهاض، ولم يزرها أحد من الأطباء لعدد طويل من الساعات، حتى قامت عاملة النظافة بمساعدتها”.

وإلى جانب المخاطر الصحية فهناك المخاطر القانونية إذ يجرم القانون تلك الممارسة بحسب مجدي عبدالفتاح. ويمكن للزوج مقاضاة الزوجة في حال قامت بتلك الخطوة بدون موافقته، حتى لو كانت بين الحياة والموت. وعليه يعمل الكثير من الرجال على ابتزاز زوجاتهن، بحسب مشاهدات الحقوقي مجدي عبدالفتاح.

وقانونا يمكن للزوج مقاضاة زوجته في حالة الإجهاض حتى وإن مثل خطرا على حياتها دون موافقته. والزج بها إلى السجن من 6 شهور إلى 3 سنوات، وكذلك الممارس التي تصل عقوبته إلى 15 عاما.

الاقتصاد لاعب رئيسي في عملية الإجهاض

“في الإجهاض من يملك ينجو” فبحسب دكتورة آمال عبدالهادي فقط المرأة ذات الموقع الاقتصادي الجيد هي من تستطيع الوصول إلى الإجهاض. والحصول على الرعاية الصحية اللائقة، في الوقت نفسه لا تبذل نقابة الأطباء أي مجهود في هذا الشأن. حيث اعتبرتها عبدالهادي أحد الجهات المتكسبة من هذا الوضع، بعد أن أصبح الإجهاض بمثابة سوق سوداء لبعض الأطباء.

ويتجاوز سعر عملية الإجهاض في العادة أسعار الولادة نفسها، كما أن أدويته المحظورة رسميا تصل تكلفتها إلى مئات الجنيهات. وهي أسعار لا تستطيع المرأة المعيلة، أو الفقيرة مجاراتها، فتضطر إلى وصفات شعبية، أو حتى الرضا بالمقسوم ومعه الكثير من الأطفال.

وتشير الهام عيداروس إلى تجاهل مشروع القانون الحالي المقترح من قبل النقابة في مسألة أخطاء الأطباء لقضية الإجهاض. في حين أن مشروع آخر سابق للقانون قدمه النائب بمجلس الشعب دكتور أيمن أبوالعلا نفسه وضع شرطا لحماية الأطباء. تتعلق بالسماح بالإجهاض في حالة تشوه الجنين تشوه غير قابل للإصلاح.

أما مجدي عبدالفتاح فيؤكد أن حتى السيدات اللاتي يملكن القدرة الاقتصادية، لا يلقين الرعاية الصحية اللاحقة، واللازمة لمثل هذه العمليات. ما ينتج عنه الكثير من المضاعفات، التي قد تؤدي إلى الوفاة، أو حتى تدهور صحة المرأة، كما أن كثير من الحالات تعرضن للابتزاز من قبل الممارس نفسه.

تقصير المجتمع المدني

وفي السياق ذاته، توارى المجتمع المدني وكوداره النسوية عن مثل هذه القضايا، خوفا من الوصم، فالجهود المبذولة بحقها قاصرة، ومحدودة. وضربت عيداروس مثال على ذلك التقصير ببيان مركز البيت العربي للبحوث والدراسات الذي جاء بعنوان أوقفوا القهر، فلما تشارك في التوقيع عليه سوى منظمات نسوية قليلة.

وهو الرأي نفسه الذي وافقته دكتورة آمال عبدالهادي إذ رأت ضرورة أن تعمل المرأة بشكل أساسي على انتزاع حقوقها. فبحسب التجربة حصلت المرأة على أغلب استحقاقاتها بعد نضال شخصي منها، فالحقوق لا تمنح.

وعلى سيرة المجتمع المدني يقول مجدي عبدالفتاح إن الإعلام ساهم بشكل كبير في تشويه القضية، خاصة في ظل ربطه بين إجهاض المرأة. وانحراف سلوكها، متجاهلين الظروف الصحية، أو النفسية للسيدات، أو حتى كونها ضحية في بعض الوقائع.

 

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" masr360 "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??